مقدمة :
الجامع الأقمر بالرغم من كثرة المساجد الفاطمية حوله بشارع المعز لدين الله الفاطمى وتواضع حجمه مقارنة ببقية المساجد الواقعة بنفس الشارع فهى منطقة زاخرة بالجوامع لكن يظل الجامع الأقمر مختلفا عمن حوله تماماً حيث انه ذا خصوصية وبهاء فريد، فالجامع الأقمر المشع بالحجارة البيضاء مثل وجه القمر والموجود فى شارع النحاسين المحيط بشارع المعز لدين الله الفاطمى يمتاز بتصميم يجذب الأنظار إلى واجهته التي حوت تصميما هندسيا خاصا ،ويعد هذا الجامع من مفاخر العمارة الإسلامية الفاطمية .
ويروى المقريزى أن المسجد بنى فى مكان أحد الأديرة التى كانت تسمى بئر العظمة، لأنها كانت تحوى عظام بعض شهداء الأقباط، وسمى المسجد بهذا الاسم نظرا للون حجارته البيضاء التى تشبه لون القمر ، وقد دَون ابن فاتك الذى أشرف على بناء جامع الأقمر دونَ اسمة إلى جانب اسم الخليفة الآمر بأحكام الله وذلك في النصوص الكتابية التسجيلية بالخط الكوفي الدقيق على واجهة المسجد ولم يكن فى أول الأمر مسجداً جامعاً ولم تلقى على منبره خطبة جمعة إلا فى شهر رمضان سنة 799 ه 1296، ويعد الجامع واحدا من المساجد المعلقة إذ أنشئ فوق منطقة تسوق .
نبذة عن الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله :
الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله أبو على المنصور بن المستعلى هو الخليفة السابع من خلفاء الدولة الفاطمية الذى ولد في 13 المحرم سنة 490 هـ (1097م) وتولى الخلافة يوم وفاة ابيه الخليفة المستعلي في 17 صفر سنة 495هـ (1101م) وهو طفل عمره خمس سنين مما أضطرهم لتعين الوزير الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي أن يكون قائما على شئون الدولة فكان خليفتها غير المتوج ، وظل الآمر على كرسي الخلافة حتى وفاته في ذى القعدة سنة 524 هـ(1130م .
وقدتميز عهده بالرخاء فقد أُنشأت فى عهده دار يطلق عليه وكالة خصصت للوافدين من التجار بالقاهرة ، كما أمر بعمل دار الضرب لسك العملة وأشرف على بناء الجامع الوزير أبو عبد الله بن فاتك البطائحى المعروف ( باسم المأمون البطائحى ) فى عهد الخليفة (الآمر بأحكام الله) وذلك فى عام 519 هجرية وكان هذا الوزير المأمون البطائحى متصوفاً، وقد ودونَ اسمه إلى جانب أسم الخليفة فى النصوص الكتابية التسجيلية بالخط الكوفى الدقيق على واجهة المسجد ، وظل هذا الوزير قائماً بشئون الدولة حتى أن قُبض عليه من الخليفة الآمر بأحكام الله وتم سجنه بالأسكندرية ثم خُنق فى عهد السلطانالناصر فرج بن برقوق .
بناء مسجد الأقمر وموقعه وتاريخ تأسيسه :
يقع جامع الأقمر فى شارع المعز لدين الله الفاطمى بالنحاسين بقسم الجمالية ويتبع منطقة آثار شمال القاهرة ، وتم بناء الجامع سنة 519هـ (1125م) فى عهد الخليفة الآمر بأحكام الله وأشرف على البناء بتكليف من الخليفة الفاطمى الوزير أبو عبد الله محمد بن فاتك البطائحي المعروف باسم المأمون البطائحي، سنة 515هـ (1121م)، ويعد جامع الأقمر أول مسجد صممت واجهته بتصميم هندسى خاص ومدون اسمه على واجهة الجامع.
الوصف المعمارى لجامع الأقمر :
جامع الأقمر صُمم على نفس شكل المتحف القبطي في مجمع الأديان، وتم بناؤه في العصر الفاطمي الذي كانوا يطلقون فيه أسماء منيرة على مساجدهم كالأنور والأزهر والأقمر، يعتبر هذا الجامع هو أول مساجد مصر الإسلامية التى صممها المهندس المصرى بشكل تتفق فيه واجهتها مع تخطيط الشارع الذى تطل عليه .
الجامع يقع على ناصيتى شارعين ، وهما شارع المعز لدين الله الفاطمى وشارع النحاسين ، ويرتكن إلى زاوية حادة، ولعل ذلك ما جعل تخطيطه يميل إلى شكل المستطيل غير منتظم الأضلاع من الخارج ، كما إن واجهته تحتوى على تصميم هندسى خاص حتى تصير القبلة متخذة وضعها الصحيح ، وبنيت الواجهة الخاصة به موازية لخط تنظيم الشارع بدلا من أن تكون موازية للصحن، ولهذا نجد أن داخل الجامع منحرف بالنسبة للواجهة
أما ساحة المسجد فقد بنيت على الطريقة المتعارف عليها في البنية المعمارية الإسلامية وأستخدم المهندس المصرى حيلة هندسية بارعة فى الاستغناء عن ضرورة أن تكون الواجهة موازية لجدار القبلة وجعلها منحرفة بعض الشىء لتساير اتجاه الشارع واستغل الفراغ الناتج عن الانحراف فى إنشاء ثلاث غرف صغيرة، واحدة إلى يمين الداخل واثنتان إلى يساره، وهى الغرف التى ستقابلك فور دخولك من بوابة جامع الأقمر . وهكذا نجح المهندس المصمم فى توقيع حدوده الداخلية بمهارة فائقة ودقة فى التنفيذ وذلك لتُشكل جدرانه الداخلية مستطيلا منتظم الأضلاع بطول 28 مترا وعرض 17.5 متر .
جامع الأقمر مكون من صحن مكشوف صغير مربع مساحته عشرة أمتار مربعة تقريبا ويحتوى على أربع إيوانات تمثل المذاهب الأربعة، ويحيط به أربعة أروقة أحداهما له ثلاث جوانب وثلاث أروقة فى الجانب الجنوبى الشرقى ، واكبر رواق هو رواق القبلة الذي يستمل على ثلاث بوائك عقودها ترتكز على أعمدة من الرخام مقتبسة من العصر الرومانى وذات قواعد مصبوبة وتيجان مختلفة الأشكال والأسقف مغطاة بقباب ضحلة منخفضة وهو عنصر جديد يُبين كيفية تطور تغطية الأروقة في جوامع القاهرة. وقد شاع استخدام هذا الأسلوب فيما بعد في مساجد العصر العثماني.
أما المحراب عباره عن عقده مكسو برخام ملون دقيق تعلوه لوحة تذكارية تسجل أعمال تجديد الجامع التي أجراها الأمير يليغا السالمي سنة 1396م بأمر السلطان برقوق. ويشير النص الكتابي أن اعمال التجديد شملت اقامة المئذنة وعمل المنبر، وصُممت واجهة جامع الأقمر بطريقة هندسية مختلفة ليعد أول جامع بنى فى القاهرة بهذا الأسلوب ، حيث إنها موازية لخط تنظيم الشارع بدل أن تكون موازية للصحن ذلك لكى تصير القبلة متخذة وضعها الصحيح ولهذا نجد أن داخل الجامع منحرف بالنسبة للواجهة ، ويميز واجهة الجامع ذات الحجر الأبيض ، الزخارف البديعة التى لا يضارعها أى واجهة أخرى فى جوامع القاهرة .
ويرى في مدخل جامع الأقمر ولأول مرة في عمارة المساجد العقد المعشق الذي انتشر في العمارة المملوكية فى بناء المساجد والقصور في القرن الخامس عشر الميلادي، وفوق هـذا العقد يوجد العقد الفارسي وهـو مُنشأ على شكل مروحة تتوسطها دائرة في مركزه، وترى فى هذا المدخل سمة عمارة العقد المعشوق الذى أنتشر فى العمارة المملوكية فى بناء المساجد وقد ذكرنا ذلك من قبل، ووضع بمدخل الجامع عتبة من الجرانيت عليها دخلة عرضها متران وعمقها 60 سم مغطاة بطاقية مضلعة، وهذه الطاقية واحدة من أقدم مثيلاتها فى مصر، وغالبا الأقدم فى فن العمارة الإسلامية عموما كما إن هذا المدخل يقع في الجزء الأوسط من الحائط .
أهم مميزات تصميم جامع الأقمر :
الجامع الأقمر يمتلك تصميماً هندسياً خاصاً ، فتميزه السمة الفاطمية فى بناء المساجد حيث عقود الأروقة المحلاة بكتابات كوفية مزخرفة ، فهو مختلف عن العصر المملوكي والعثماني ، كما كان الفاطميون يميزون مساجدهم بدائرة كالشمس تتوسطها نجمة سداسية ، وأيضاً تتمتع الواجهة المعمارية لجامع الأقمر بجمال زخرفته ونقوشه الفريدة التي لا يضارعها في زخارفها البديعة أى واجهة أخرى في جوامع القاهرة
وتعتبر أول واجهة مزخرفة فى المساجد المصرية جميعها حيث إنها تتمتع بدلايات ونقوش خطية ونباتية محفورة بالحجر فجعلتها عبارة عن تحفة فنية شديدة الأتقان ، والدوائر الزخرفية التى تبدو كالشمس الساطعة رائعة الجمال فهى تحمل رموزاً عديدة للشيعة الأسماعيلية تتمثل فى الدوائر والباب والشباك والمشكاة وما شابه ذلك ، وفى ثناياها الداخلية اسم الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضى عنه .
وتفصيلياً تتزين واجهة الأقمر ذات الأحجار البيضاء ، بسبعة أشكال لشموس مختلفة الأحجام وتتفرد بذلك عن كل المساجد فى ذاك الحين ولكنها تشارك جامعى الجيوشى والحاكم بأمر الله فى ، وأدى ذلك إلى بروز واجهة المسجد خارج جدرانه وإن كان هذا البروز يبدو واضحًا أكثر فى جامع الحاكم بأمر الله إذ يتخذ هيئة برجين يتوسطهما ممر يؤدى إلى الباب.
البرجين فى الأقمر روعى فى تصميمهما أن يصغر حجمهما ليتناسق مظهرهما مع الواجهة وبالنسبة للزخارف الشمسية على واجهة الجامع، فهى تعتبر الظاهرة الأولى للزخرفة فى واجهة مسجد الأقمر حيث الإشعاعات الصادرة عن مركز يمثل الشمس فى أغلب الأحيان، وإذا ما اتجهت الأنظار إلى الطاقة الكبرى التى تعلو الباب سنلاحظ أنه يتوسطها دائرة صغيرة عليها نقش لأسم سيدنا محمدصلى الله عليه وسلم، وسيدنا على بن أبى طالب،رضى الله عنه، وتحيط بها ثلاث حلقات، نُقش على الحلقة الوسطى منها بالخط الكوفى ما نصه بسم الله الرحمن الرحيم “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»، وكأنما أريد بهذه الشموس المضيئة أن تعبر عن قوله تعالى «جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً .
وأهـم ميزة في تصميم الجامع استعمال المقرنصات كعنصر من عناصر الزخرفة المعمارية الاسلامية ، والتى لم تستعمل قبل ذلك إلا في مئذنة جامع الجيوشي، تلك الزخرفة التي عم انتشارها جميع العمارة الإسلامية تقريبا بعد هـذا الجامع وأيضاً تصميم الجامع الأقمر متميز لأنه يستغل كل جزء فى المساحة بمبنى الجامع نفسه وسلالمه وغرفه الخدمية ، ويظل مكان الصلاة منتظم الشكل وللمدخل عقد معشق، تعلوه مروحة تشكل عقدا فارسيا تتوسطه ولم تستعمل قبل ذلك إلا فى مأذنة ( جامع الجيوش ) تلك الزخرفة التى عمَ أنتشارها جميع العمارة الأسلامية تقريباً بعد هذا الجامع .
ترميم جامع الأقمر وتجديده :
تم تجديد المسجد على يد الأمير الوزير المشير الأستادار يلبغا بن عبدالله السالمى، أحد المماليك الظاهرية ووزير السلطان برقوق من المماليك الجركسية وذلك فى أعقاب الحملة الفرنسية حيث أنه قد تصدع الجامع ، فقام ببناء مئذنته التي سقطت في زلزال على الطراز المملوكي، وتجديد المحراب ووضع فيه عمودين من الرخام ، وأنشأ منبرا ووضع عليه كتابات تدل على أنه من عمل ذلك المنبر وعلى المحراب.
كما أنشأ بظاهر بابه بالبحرى حوانيت يعلوها طوابق ، وأيضاً أنشأ فى صحن الجامع بالداخل بركة مياة جميلة ، يصل إليها الماء من ساقية، وجعلها مرتفعة نوعاً حتى ينزل منها الماء إلى من يتوضأ وذلك من خلال صنابير صُنعت من النحاس كما نصب فيه أيضاً منبراً ، وسُجلَ تاريخ هذه العملية فى لوحة تم تركيبها أعلى المحراب .
وبالرغم من الأصلاحات التى تمت وتجديد المنبر فى ذلك الوقت فإنه مازال محتفظا ببعض زخارفه الفنيةالمتميزة دقيقة والتى تتسم بروح الفن فى العصر الفاطمى التى تجدها فى واجهة عقد باب المقدم وخلف مجلس الخطيب وغيرها من المساجد التى أُنشئت فى ذلك العصر .
وأجريت اعمال تجديد تالية على الجامع قام بها الأمير سليمان اغا السلحدار سنة 1821 في فترة حكم محمد علي باشا ليعيد إليه الخدمة مرة أخرى بعد فتره من الإهمال ضربت أركان الجامع ،كما قامت لجنة حفظ الآثار العربية بترميم الجامع وتجديده وازالة المباني التي كانت أمام واجهته بحيث ظهرت زخارف الواجهة كاملة. والحفاظ على طابعه التاريخى و زخارفة في الفترة من سنة 1928.