مقدمة :
تحظى القاهرة القديمة بالتراث الشاهد على عظمة وفخامة تاريخ مصر، فعلى بعد خطوات من محطة مترو غمرة وبالتحديد في ميدان السكاكينى بمنطقة الظاهر ، تقع عيناك على قصر السكاكيني، تلك التحفة الإيطالية التي تجسد أسمى آيات الإبداع والجمال في فنون العمارة والبناء والتصميم، إذ يجمع بين الفن المعماري الأوربي وتحديدا الإيطالي ويحوي تماثيل ونقوش وزخارف تعود للعصور اليونانية والرومانية والقبطية،وتتداخل فيه الطرازات المختلفة من حول العالم، ويعتبر نموذجا لفن الروكوكو ، ومثل هذه الأبنية والقصور تقف الآن مؤكدة على عظمة المعمار الذى جمع العديد من الثقافات الأوروبية الرومانية ومنها أيضاً الإيطالية واليونانية .
لا تزال حتى اليوم تمتلك السحر الذى يجذب أنظار الملايين ،وقصر السكاكينى هو أحد هذه التحف والدرر ، فهو يٌعد من أقدم القصور بمصر ، وقد بنى على يد معماريين إيطاليين جاؤوا خصيصا للمشاركة فى بنائه ، ورغم مرور 120 عاما على بناء قصر السكاكيني بمنطقة الظاهر بوسط القاهرة،إلا أنه أصبح يرسم شخصية هذه المنطقة فى القاهرة بحى الظاهر وعُرف محيط القصر باسمه ، وسُمى بميدان السكاكينى ، وقد أصبح هذا القصر الشاهد على القاهرة في فترة فاصلة من تاريخها الحديث .
موقع وتاريخ إنشاء القصر :
تم بناء القصر سنة 1897 م على يد حبيب باشا السكاكينى فى وسط مدينة القاهرة، وتحديدا فى منطقة الظاهر المزدحمة بالسكان وعرف محيط القصر لاحقا بحى السكاكينى (ميدان السكاكينى ) و تم البناء على يد مجموعة من المصممين والمهندسين الايطاليين الذين تم استقدامهم من ايطاليا لتصميم وتنفيذ القصر فيما يعتبر المعماريون أن هذا القصر تحفة في فن الروكوكو.
نبذة عن صاحب القصر :
هو السورى غابرييل حبيب السكاكيني الذي ولد في دمشق عام 1841، وهو شاب سورى في السابعة عشر من عمره ، ولقب بـ«السكاكيني» نسبة إلى والده الذي كان يعمل في صناعة الأسلحة البيضاء جاء إلى مصر للعمل فى عام 1856 وتولى فى البداية وظيفة بشركة قناة السويس ببورسعيد
وبعد سنوات انتقل إلى القاهرة ليلحق بعمل آخر ، وقد جذب حبيب السكاكيني انتباه الخديوي إسماعيل حاكم مصر آنذاك لذكائه الشديد ، حيث تمكن من حل مشكلة انتشار القوارض وما تنقله من أوبئة عن طريق إرسال طرود كبيرة من القطط الجائعة بمنطقة قناة السويس ، فقضت على هذه المشكلة تماماً .
ولشدة أعجاب الخديوى أسماعيل بحبيب السكاكينى فقد كلفه باستكمال بناء الأوبرا الخديوية التي استقبلت زيارة الملوك الأوروبيين والمدعوين لحضور حفل أفتتاح القناة وحضورهم إلى مصر للمشاركة فى أفخم احتفال تشهده البلاد وذلك لافتتاح قناة السويس في 17 نوفمبر 1869 ، ونجح بالفعل في الانتهاء من بناء الأوبرا في الوقت المحدد .
ولما كانت مكانته أصبحت لها شأن ، أنعم عليه الخديوي لقب “بيك”،وأصبح حبيب السكاكيني بالنهاية من المقاولين الأثرياء في ذلك الوقت ، وفي مارس 1901 منحه البابا في روما لقب “الكونت” لخدماته المجتمعية وبالنسبة للقصر ففي عام 1897 تم بناء قصر السكاكيني على بِركة فى أرض تسمى “قراجا التركماني” أو “بركة قراجا” قد مُنحت له في منطقة الظاهر تسمى بالشيخ قمر، وذلك لعلاقته الوطيدة بالخديوي أسماعيل ، وقام بردم البركة وبناء القصر عليها.
عودة إلى جمال الماضي :
قصر السكاكيني من أقدم قصور مصر، بٌنى على يد معماريين إيطاليين متخصصين فى العمارة والفنون التى تستخدم فى طرز البناء والتصميم وقد جاؤوا خصيصًا للمشاركة في بناء القصر ، وطلب منهم حبيب باشاالسكاكيني أن يكون نسخة طبق الأصل من القصر الذي شاهده في إيطاليا ووقع في غرامه فقرر أن ينى له قصراً مثله
أختار حبيب باشا السكاكينى لقصره موقعًا جذابًا فى القاهرة وبالتحديد فى منطقة الظاهر الذى يشع منه 8 طرق رئيسية هامة ومميزة وبالتالي أصبح القصر نقطة مركزية في منطقة الظاهر ، ولم يكن عملية الحصول على مثل هذا الموقع الرائع والمتميز ، في ذلك الوقت لكن علاقة السكاكيني باشا مع الخديوي أسماعيل بعد أن نفذ له طلبه بالقضاء على مشكلة القوارض تماماً ونجح فى مهمته بشركة قناة السويس ببورسعيد فقد وصلت إلى حد الصداقة مما سهلت هذه المهمة وبالفعل تم بناء القصر بنفس المواصفات التى أمر بها المعماريين المتخصصين فى العمارة .
شكل مبنى القصر :
طراز قصر السكاكينى يجمع بين الطراز الإيطالى والطراز الروماني واليوناني و أيضاً عراقة الطراز الإسلاميالمتميز ، وقد بني هذا القصر الرائع على مساحة 2698 متر مربع ويضم أكثر من 50 غرفة ويصل ارتفاعه لخمسة طوابق ليحتوي على أكثر من 400 نافذة وباب و300 تمثال، ومنهم تمثال نصفي لحبيب باشا السكاكيني بأعلى المدخل الرئيسي للقصر كما يوجد 6 بوابات لمداخل القصر تقع كل منها أمام أحد الشوارع فهناك اثنان أمام شارع السكاكيني وامتداده، ومثلها أمام شارع ابن خلدون وامتداده، ومثلها أمام شارع الشيخ قمر وامتداده .
نبذة عن فن الركوكو :
الركوكو هى كلمة لها معنى الصدفة أو المحارة غير المنتظمة الشكل ذات الخطوط المنحنية والتي استمدت منها زخارف في تلك الفترة ويعدّ فن التزين الداخلي. ظهر هذا الطراز من الفن في القرن الثامن عشر ويعد امتدادا للباروك ولكن بمقاييس جمالية تتسم بالسلاسة والرقة ، واستمر هذا الطراز مزدهراً في ألمانيا وفرنسا بصفة خاصة واختفى من فرنسا بعد قيام الثورة الفرنسية ، وهذا الفن ينتمى إلى الزخرفة في العمارة والديكور الداخلي والخارجي وكذا الأثاث والتصوير والنحت، هو فن منبثق من المحارة غير المنتظمة، وقد كانت بداية ظهور هذا الفن في فرنسا إبان القرن الثامن عشر الميلادي، ويرجع إلي الأصول الكلاسيكية وهو يعدّ من الأساليب الزخرفية التي تعالج الأنماط الساكنة ليكسبها الحركة والحيوية وهذا الفن تم استقائه من فن الزخرفة العربي التقليدي الأرابيسك .
وصف القصر :
تبلغ مساحة القصر نحو 2698 متر مربع وتم بناؤه فى أغلب القصر على الطراز الإيطالي حيث يعتبر نموذجا لفن “الروكوكو”، وهو فن ينتمي إلى الزخرفة في العمارة والديكور الداخلي والخارجي وكذلك الأثاث والتصوير والنحت، وهو فن منبثق من المحارة غير المنتظمة، وقد كانت بداية ظهور هذا الفن في فرنسا إبان القرن الـ18 الميلادي، حيث بنته شركة إيطالية ليكون نسخة من قصر إيطالي قد رأه حبيب السكاكيني وأراد تقليده أو عمل نسخة منه في القاهرة ، يتكون القصر من 5 طوابق، الطابق الأول يتكون من 4 غرف، والثاني مكون من 3 قاعات و4 صالات وغرفتين، أماالصالة الرئيسية تبلغ مساحتها نحو 600 متر مربع، وتحتوي على 6 أبواب تؤدي إلى قاعات القصر، ومجموع غرف القصر تبلغ 50 غرفة، ويحتوي على أكثر من 400 نافذة وباب، و300 تمثال منهم تمثال نصفي لحبيب باشا السكاكيني بأعلى المدخل الرئيسي للقصر .
وللقصر مصعد ويطل على شرفة بها قبة مستديرة تؤدي إلى غرفة الإعاشة الصيفية ، كما يحوى حديقة دائرية حوله غنية بالأشجار والورود ، وعلى الرغم من عدم اتساع الحديقة المحيطة بالقصر إلا أنها ساعدت على عزل القصر نوعا من المباني الحديثة الموجودة فى محيط القصر من حوله .
ويحوي القصر على تماثيل لأسدين بواجهة القصر وفتيات وأطفال عاريات، والقصر له قبابه مخروطية الشكل ذات تصميم بيزنطي والمنتمي للعصور الوسطى , كما يوجد نافورة جميلة من الرخام بدورين .
ويتكون قصر حبيب باشاً السكاكينى من 5 طوابق ، كما أنه يجمع بين عدداً من الطرز المعمارية المعروفة فنياً بين أوساط المعماريين وأشهرها الطراز الرومانسكي وأيضاً الطراز الإيطالى والرومانى واليونانى والذي يتضح في الزجاج ، وقد رصدنا داخل القصر عناصر زخرفية تاريخية ومهمة تنتمي لطرز الركوكو والباروك، بالإضافة إلى عناصر زخرفية إسلامية متمثلة في المحاريب وعنصر المفروكة في قاعة الاستقبال على السياج الخشبي، والقصر تعلوه قباب مخروطية الشكل رائعة الجمال ويتميز بها قصر السكاكينى .
ومن أجمل مقتنيات قصر السكاكينى التي تم رصدها من الباحثين فى فن المعمار والتصميم المعمارى واللوحات التى تزين جدران القصر والأسقف ، لوحة زيتية بالطابق الأول من القصر في سقف حجرة الطعام ، ويحيط بها إطار ثماني الشكل كما إنه يظهر بها اللون الأزرق الفاتح من الألوان الزيتيةوهذه اللوحة لسيدة عارية وبجوارها سيدة أخري تحمل باقة ورود، والثانية لسيدة عارية أيضاً بجوارها طفل صغير وحولها رسوم لملائكة مجنحة تتميز بالدقة والوضوح ورائعة الجمال .
وتنتشر بالقصر أيضا كثيراً من اللوحات والمناظر الطبيعية والإنسانية ومناظر أخرى تحتوى رسوم حيوانات ، كما يُجمل القصر من أمام المدخل نافورة جميلة جدا خاصة بالقصر مصنوعة من الرخام وهي دورين بها زخارف لرؤوس السباع رائعة الجمال ، وبجانبها تمثالان يجسدان أسدا جالسا مصنوعا من الرخام أيضاً ويخرج الماء من فمه ، ويوجد أيضاً تمثال نصفي رخامي محمول على قاعدة رخامية على واجهة القصر وهو لصاحبه حبيب باشا السكاكين .
قصر السكاكيني فى نقاط :
تصل مساحة القصر حوالي 2698 متر مربع ليضم بذلك اكثر من خمسون غرفة على خمس طوابق واكثر من 400 نافذة وباب و300 للعديد من الافراد وبالطبع فهناك تمثال نصفي لحبيب باشا السكاكيني ،اما عن قباب القصر فهي مبنية على الطراز البيزنطي المنتمي للعصور الوسطى وان كانت حديقة القصر غير مناسبة لمساحته الكبيرة جدا ، يذكر أن محتويات القصر بها تمثال فتاة درة التاج ، و وتماثيل صنعت من الرخام و بقايا تمثال على هيئة تمساح فضلا عن اشكال فتيات وأطفال اختفى لونها الأصلى بعوامل الزمن ، كماويوجد في القصر بدروم ويحيط بأركانه 4 أبراج و وبه 3 قاعات متسعة وأربع صالات فضلا عن الغرف المخصصة للخدم .
أتلاف وسرقة محتويات القصر :
وتعرّضت بعض أجزاء القصر للانهيار والشروخ نتيجة الإهمال فضلاً عن اختفاء بعض النقوش والتماثيل التي تحيطه من كل جانب تحت الأتربة والتلوث ليس هذا فقط فقد تعرض القصر لعمليات سرقة لكثير من محتوياته فقد تم رصد سرقة معظم الحراب الحديدية للسور الخارجي. كما كان يوجد تمثالان كبيران لأثنان من لحيوانات داخل السور بالقرب من الباب الرئيسي للقصر وأيضاً تم تخريب أجزاء منهما ، فلم يظهر من وجهيهما ما يدل على فصيلتهما بسبب طمس ملامحهما وكسر أقدامهما الأمامية كاملاً .
وتعرض القصر أيضاً لعمليات سرقة لبعض التماثيل ، حيث سُرق تمثال «ملاك»، وتمثال «درة التاج» الذي كان يمثل فتاة ترتدي تاج ويعد من أقرب وأحب التماثيل إلى حبيب باشا السكاكينى باشا .
وكذلك تم سرقة تمثال «مرمر» الذي كان يتميز بتغير لونه عند تعرضه لأشعة الشمس صباحاً فيصبح أكثر من رائع يسر الناظر أليه ، هذا بخلاف ما تم تحطيمه وكسره من تماثيل مثل تماثيل الأسود أمام حديقة القصر وغيرها والذى تم رصده بعد عملية السرقة ، وجميعهم اختفوا وتحطموا في ظروف لم يتم معرفة الظروف الغامضة التى حدثت .
انتقال ملكية القصر إلى الدولة :
في عام 1923 توفي حبيب باشا السكاكيني وتبقى ورثتهُ الذين وهبوا القصر بعد ثورة يوليو عام 1952 لوزارة الصحة، كمّا تنازلت باقى الأسرة جميعهم عن القصر للحكومة وبذلك أصبحَ القصر سنة 1961 أحد المقرات الهامة للدولة وخاصة بالحكومة .
وقسمت ثروته بين الورثة الذين قاموا بإعطاء القصر للحكومة، حيث قام أحد أحفاده وكان طبيبًا بالتبرع بحصته إلى وزارة الصحة والتي لم تكن الجهة المؤهلة لوراثة مثل هذا القصر .
تحويل القصر إلى متحف التثقيف الصحي وتسجيله بالآثار :
وفي من عام 1961 حتى عام1983 تم نقل متحف التثقيف الصحي من عابدين إلى قصر السكاكيني ليكون مقراً خاص به وتابع لوزارة الصحة ، وذلك بأمر من محافظ القاهرة .
أما في عام 1983 صدر قرار وزاري من وزارة الصحة بنقل متحف التثقيف الصحي إلى المعهد الفني بإمبابة، وفعلاً تم نقل بعض المعروضات الهامة إلى إمبابة والبقية قد تم تخزينها وقتئذ في بدروم أسفل القصر.
وفي عام 1987 تم تسجيل القصر في عِداد الآثار الإسلامية والقبطية وذلك طبقاً لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1691، ليتم وضعه تحت رعاية المجلس الأعلى للآثار .
ويذكر أنه قد سُجلت مقترحات ومبادرات عديدة تطالب بالحفاظ على قصر السكاكينى ، إذ أعلن الدكتور زاهي حواس عالم الآثار المصرى في عام 2003، أن الحكومة المصرية وقتئداً تعتزم ترميم القصر وتحويله إلى أكبر متحف لتاريخ علوم الطب عبر العصور، لذا أغلق القصر أمام الجمهور، وأصبح مقرًا رئيسيًا لحى وسط القاهرة التابع لوزارة الأثار فى ذلك الوقت .
أيضاً ذُكر أنه أسست مجموعة من سكان منطقة الظاهر مبادرة تحمل عنوان “أنا من الظاهر” بهدف تحويل القصر إلى مركز ثقافي، فيما كانت إحدى مقترحات المبادرة أيضًا أن يفتح القصر أبوابه للجمهور كي يروي لهم تاريخ منطقة الظاهر على مر العصور، لكن أبواب القصر ظلت موصدة .
وفى تصريحات رسمية فى هذه الفترة ، ذكر بأن هناك أعمال ترميم تتم بالقصر، وبأحدث الطرق والمواد العلمية الحديثة، حيث يتم إجراء أعمال إنشائية دقيقة، ولكن بشكل بطيء نظرًا لطبيعة القصر ولدقة العمل، حيث من المقرر افتتاح القصر فى 2020م .
قصر السكاكينى الآن :
يبدو الآن في غير مكانه وسط المباني الحديثة والزحام الشديد والنظرة للقصر من الخارج لن تعطى الانطباع الصحيح ابدا عن مساحته الشاسعة .
حيث بني القصر على مساحة 2698 متر مربع يضم أكثر من 50 غرفة ويصل ارتفاعه لخمسة طوابق يحتوى القصر على أكثر من 400 نافذة وباب و 300 تمثال ومنهم تمثال نصفي لحبيب باشا السكاكيني بأعلى المدخل الرئيسي للقصر .
أكد الأثريون بضرورة الاهتمام بقصر السكاكينى لأهميته الأثرية والتاريخية والمحافظة على الأسلوب المعماري الفريد الذي جمع في طرازه المعماري مختلف فنون العمارة، بمدارسها التي تتنوع فيها العمارة الإسلامية، والفرعونية بل والصينية أيضًا، إلى جانب فنون النهضة الأوروبية .
وقد بدأ بالفعل وبجدية فى وضع خطة مدروسة للترميم المبنى على المبادىء العلمية لأصول الترميم والتجديد والعودة بالقصر إلى الحالة التى تتناسب مع قيمته الفنية والأثرية ، القصر حالياً مفتوح للزائرين وغالباً من طلبة كلية الفنون الجميلة والتطبيقية والعاشقين لفن النحت ومشاهدة فن العمارة والتحف النادرة من التماثيل والزخارف وروعة التصميم يقضون فيه الساعات لدراسة التماثيل والزخارف التي تملأ القصر ، للدراسة والبحث والأستمتاع .