أحدث المقالات
الرئيسية / تاريخ مصر / قصر الزعفران

قصر الزعفران


مقدمة :

قصر الزعفران ، عندما تراه لأول مرة تقف منبهرا أمام روعة  هذا القصر ، الذي سجل في 1958 كأثر إسلامي شهد على تاريخ مصر الحديث والمعاصر، لتمتزج روعة جدرانه وأسواره بين دقة البناء المعماري واللمحة التاريخية التي تعود بنا لزمن الملوك والأمراء، فأبوابه الضخمة تشعرك وكأنك تقف على باب الخديوي إسماعيل تنتظر الإذن بالدخول !! .

وهذه المنطقة التي كانت تسمى بـالحصوة ، سكن فيها ملك مصر محمد علي باشا بعد أن أصدر فرمان ببناء “قصر الحصوة ، ثم تغير اسم المنطقة سنة 1851 نسبة لعباس باشا الأول ، حتى أصدر الخديوي إسماعيل فرمانا ببناء ” قصر الزعفران” سنة 1864.

تاريخ بناء قصر الزعفران ونشأته:

تم بناء القصر فى عصر الخديوى أسماعيل وتحديداً عام 1870 ، على أنقاض قصر ’’لحصوة’’ والذى بناه محمد على مؤسس الدولة المصرية الحديثة ،وقد بلغ تكاليف بناء قصر الزعفران إنذاك حوالى 250,000 قرش أى مايساوى 2500 جنيه ، وبٌنى على غرار قصر فرساى فى فرنسا  ،الذى قضى الخديوى فيه فترة تعليمه ، مع تتويج واجهة القصر بالحروف الأولى من أسمه  كما حفرتاجه الخاص ، والتى تم تكرارها على مداخل القاعات الداخلية ، وطلب الخديوى بنقش الحروف الأولى وشكل التاج بمهارة ودقة بالغة وذلك على بوابة القصر الحديدية ،وكما ذكر بمداخل القاعات والغرف ، وأحاطته بحديقة رائعة تفوح منها رائحة الزعفران الذكية ، وذلك ليجمع بين الطراز القوطى والباروك المستعملان فى قصور القرن التاسع عشر .

وشهد القصر العديد من الأحداث التاريخية الساخنة التى مرت على مصر خلال تلك الفترة ، مثل دخول الأنجليز إلى البلاد ، وتوقيع معاهدة عام 1936  الشهيرة ، ومازالت المنضدة التى تم توقيع تلك المعاهدة عليها موجودة فى مكانها بصالون القاعة الرئيسية ، وعمرها الآن حوالى 120 سنة وحولها طاقم من الكراسى المذهبة .

ظل قصر الزعفران فى حي العباسية، بطرازه الأوروبي مثل تحفة معمارية فريدة في نوعها لا ينافسها في جمال المنظر ودقة البناء سوى قصر فرساي الشهير في فرنسا، ويوجد به أربع واجهات معشقة، بنوافذ وشرفات بعقود نصف دائرية، وزخارف جصية بهيئة فروع نباتية وأكاليل زهور غاية في البساطة والرقة، يتخللها تصاميم فنون النحاس والذهب والزجاج الملون، فضلا عن أسقفه الملونة بألوان السماء، ويجمع القصر من الداخل بين طرازين هما الطراز القوطي وطراز الباروك، التي يعتبرونه في ذلك الوقت من أهم الطرز المعمارية التي كانت تستعمل في كثير من قصور القرن التاسع عشر.

وبكلمات رائعة وحس رفيع، أنشد شاعر النيل حافظ إبراهيم قصيدة تصف قصر الزعفران الذي يثير شغف وفضول كل من يراه :
أقصر الزعفران لأنت القصر ** خليق أن يتهدى على النجوم
كلا يهديك للأجيال فخر ** وزهور للحديث وللقديم
ترى بالأمس فيك علا ** ومجد وأنت اليوم مثوى للعلوم

وصف القصر من الداخل  :

ينفرد القصر من الداخل بمجموعة من العناصر الزخرفية  النادرة ، فضلاً عن معماره الذى لا يوجد له مثيل ، ويتكون القصر  من ثلاثة طوابق رئيسية، حيث يضم الطابق الأول مجموعة من الأعمدة ذات الطراز اليوناني الروماني من الرخام الأخضر والأصفر بتيجان مذهبة،ويذكر أيضاً إن الطابق الأول كان مخصصا للاستقبال حيث يضم القاعة الرئيسية إلى اليسار من باب الدخول وإلى جوارها قاعتان كبيرتان أخرتان ، وتقع حجرة المائدة إلى اليمين وهي تسع نحو 49 شخصا.

ويضم الطابق الثاني للقصر ثماني غرف للنوم،  كل غرفة بها صالون وحمام كبير، مصنوع من الرخام ، وحوائط الحجرات مزينة بأشكال الورد والزهور الملونة ، إضافة إلى الأشياء المذهبة بالذهب الفرنسى ، ،وتظهر القاعة الرئيسية من جهة اليسار عند الدخول من الباب المصنوع من الزجاج المعشق، وإلى جوارها قاعتان للأستقبال، إلى جانب طابق تحت الأرض،  الذى يضم المطابخ والمغاسل ، تصل إليه من خلال سلم البهو الكبير المصنوع من النحاس والمغطى بطبقة مذهبة، وهو سلم ذو طرفين يرتفع بمستوى طابقي القصر، والذي يكاد يكون السلم الوحيد في مصر الذي يضم هذه الكمية من النحاس.

سوء أحوال القصر فى عهد الخديوى توفيق :

فى عهد  الخديوى توفيق خصص القصرللضباط الإنجليز ، والذين استخدموه أسوء إستخدام لمدة 5 سنوات، ثم طلب منهم الأمير حسين كامل دفع إيجار شهري قدره 50 جنيه عن كل شهر استخدموه فيه ، ومع استمرار دفع الإيجار شهريا، ولكن الجنرال “إستفانسون” قائد قوات الجيش الإنجليزي في مصر أنذاك طلب استشارة حكومة بلاده ، وبعدها ترك السراي في أواخر سبتمبر 1887 م ،  إلا أنه لاتوجد وثائق تؤكد سدادهم مبلغ الإيجار الذي طلبه الأمير حسين كامل، وفي عهد الملك  فؤاد الأول الذي تولي حكم مصر عام 1917 م ،  قررت الحكومة ترميم السراي وتجديدها حتى تصبح دارا للضيافة ينزل بها من يفد إلى مصر من ملوك وأمراء  ، وبعد ذلك صدر أمر بإنشاء مدرسة ثانوية في القصر عرفت باسم مدرسة فؤاد الأول، ثم تم نقلهاإلى المبنى المخصص لها بحي العباسية، وتم توقيع معاهدة 1936 م بين مصر وإنجلترا وما زالت المائدة التي تم توقيع المعاهدة عليها موجودة في مكانها بصالون القاعة الرئيسية وحولها طاقم من الكراسي المذهبة.

إهداء لوالدته:

ففى عام 1872 اهدى القصر إلى والدته المريضة “خوشيار” لتقيم فيه استشفائها من المرض العضال الذى أصابها  ويقال إن الخديوى إسماعيل أمر وقتها بزراعة حديقة حول القصر وكانت مساحتها 100 فدان بنبات الزعفران  ذى الرائحة الذكية ،وهذا هو السبب في تسمية هذا القصر بهذا الاسم.

ولكن خلال الاحتلال الإنجليزي لمصر اعتبروه كجزء من البلد التي عاثوا فيها فسادًا، إذ طلب الخديوي توفيق من جدته خوشيار هانم إخلاء القصر، لإقامة الضباط الإنجليز، فطردوا من يعمل به من خدم خوشيار هانم، وطالت إقامتهم به تخريب للقصر لمدة خمس سنوات.
وفي 29 ديسمبر عام 1985 تم تسجيل قصر الزعفران ضمن الآثار الإسلامية، باعتباره أثراً تاريخياً شهد وقائع تاريخ مصر الحديث والمعاصر.

قصر الزعفران عام 1952:

وفى أوائل عام 1952م نقلت مدرسة فؤاد الأول إلى المبنى المخصص لها بحي العباسية وتم تخصيص قصر الزعفران ليكون مقرا لجامعة إبراهيم باشا سابقا جامعة عين شمس حاليا عند إنشائها لتشغل كلية الحقوق فى  الطابق الأول من القصر ، بينما شغلت إدارة الجامعة الطابقين الثاني والثالث ثم أنشئت كلية العلوم وتبعها مباني الكليات الأخرى الحقوق والآداب وملحق إدارة الجامعة وغيرها من المباني الجامعية وذلك في المساحة المحيطة بالقصر من كل الجهات وبذلك أصبح القصر تشغله حاليا إدارة الجامعة فقط وقد ظل محتفظا برونقه التاريخي وبطرازه المعمارى الفريد والمتميز .

ويرى الخبراء أننا إذا حاولنا تقليد مثل هذا القصر في وقتنا هذا قد تصل تكلفته إلي حوالي 350 مليون جنيه وقد تم تسجيل قصر الزعفران ضمن الآثار الإسلامية بإعتباره أثرا تاريخيا شهد وقائع تاريخ مصر الحديث والمعاصر وقد إهتمت جامعة عين شمس بترميم هذا الأثر العظيم بالتعاون مع هيئة الآثار المصرية وبدأت عملية الترميم والصيانة في عام 1994م مع مراعاة إحتفاظ القصر بشخصيته المعمارية والأثرية والفنية وهكذا تحول قصر الزعفران من أحد قصور أسرة محمد على باشا إلى منارة للعلم والمعرفة .

مكانة القصر التاريخية :

على أن قصر الزعفران لم يكن مجرد واحد من القصور الفاخرة التي بنتها أسرة محمد علي في مختلف أنحاء القاهرة في القرنين الماضيين، فقد شهد القصر العديد من الأحداث التاريخية الساخنة التي مرت على مصر خلال تلك الفترة، مثل دخول الإنجليز إلى البلاد، وتوقيع معاهدة عام 1936 الشهيرة بحضور زعيم الأمة المصرية مصطفى النحاس باشا ، عندما تفاوض مع المندوب السامى البريطانى ’’ مايلز مبسون ’’ لورد كيلرن حيث تم التوقيع بالأحرف الأولى لأسمائهم ، وما زالت المنضدة التي تم توقيع تلك المعاهدة عليها موجودة في مكانها بصالون القاعة الرئيسية وحولها طاقم من الكراسي المذهبة.

 قصر الزعفران الآن :

ويتبع القصر الآن جامعة عين شمس،{ إدارة الجامعة فقط }، والقصر  لا يزال يحتفظ بطرازه المعماري الذي يتميز بالبساطة في العناصر المعمارية والزخرفية، وهو ما يمكن ملاحظته في عقود النوافذ والشرفات والأعمدة التي تملأ الواجهات، والأشكال الكروية التي تعلوها التيجان الملكية.

عن Madeha Genady

Madeha Genady
مصر كما رأيتها و أحيا على أرضها و أرتوى من نيلها -------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- مصر التي في خاطري وفي فمي ........ أحبها من كل روحي ودمي ......... ياليت كل مؤمن بعزها ......... يحبها حبي لها ......... بني الحمى والوطن ......... من منكم يحبها مثلي أنا

شاهد أيضاً

القناطر الخيرية

مقدمة : هي مدينة ومركز في محافظة القليوبية مصر وتقع في المنطقة التى يتفرع فيها ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *