منذ دخول الإسلام إلى مصر والمصريون يعظمون آل البيت عبر كل العصور، وكان لهم شرف استقبال بعضهم فى القاهرة، ويتبركون بمراقدهم المتواجدة حتى الآن، كما لم يفوت المصريون الفرصة فى خدمة بيت الله الحرام وظلوا يرسلون كسوة الكعبة حتى وقت قريب، وللمصريين عادات وتقاليع خاصة بهم فكان يوجد ما يسمى قديما بالمحمل المصرى وهو كان عبارة عن هودج توضع فيه كسوة الكعبة.
وكان سلاطين مصر المملوكية يلقبون بـخدام الحرمين الشريفين، فكان المحمل المصرى يخرج فى صورة قافلة تتجه نحو مكة من أجل كسوة الكعبة، وكان المحمل يطوف القاهرة يصاحبه الطبل والزمر، وكان يصاحب طوافه العديد من الاحتفاليات كتزيين المحلات التجارية والرقص بالخيول، وكان الوالى أو نائب عنه يحضر خروج المحمل بنفسه.
خروج المحمل
وكان المحمل يطوف فى القاهرة نحو ثلاثة أيام، وموكبه عبارة عن جمل يحمل كسوة الكعبة وخلفه الجمال التى تحمل المياه وأمتعة الحجاج وخلفه الجند الذين يحرسون الموكب حتى الحجاز ومن ورائهم رجال الطرق الصوفية الذين يدقون الطبل ويرفعون الرايات.
والمحمل نفسه هو عبارة عن هودج فارغ يقال إنه كان هودج شجرة الدر أما الكسوة فكانت توضع فى صناديق مغلقة وتحملها الجمال، ثم يتجه نحو أرض الحجاز، وانتقلت العادة لحكام مصر على مر العصور حتى العصر الحديث.
وبعد الحج يعود المحمل حاملا الكسوة القديمة للكعبة بعد إبدالها بالكسوة الجديدة وتقطع إلى قطع وتوزع على النبلاء والأمراء وما زالت هذه القطع موجودة فى متحف كسوة الكعبة، وبعضها فى قبور العائلة الملكية فى مصر حيث زينوا بها أضرحتهم كنوع من التبرك.
نبذة عن تاريخ المحمل
تعتبر شجرة الدر سلطانة مصر هى أول من أرسلت كسوة الكعبة من مصر عندما ذهبت للحج فصنع لها هودج مربع عليه قبة جلست بها ومعها الكسوة، وخلفها تسير قافلة كبيرة من الحجاج ومنها أطلق عليها مسمى المحمل.
وكان يشرف على تصنيع وتطريز كسوة الكعبة مسئول يسمى ” ناظر الكسوة”، ونقلها للحجاز كان يتم تحت إشراف أمير كبير يسمى ” أمير الحج”، وعندما كان يقترب المحمل من مكة كان يخرج أميرها لاستقبال المحمل ويستقبل الجمل حامل الكسوة باحترام شديد، وتقول المصادر التاريخية أنه كان يقبل حافر الجمل احتراما لهيبة الكسوة ولتعظيم سلطان مصر. وخروج المحمل المصرى من مصر للجزيرة العربية كان يتم فى احتفال كبير اسمه دوران المحمل، كانت توضع الكسوة على جمل متزين بالحرير الملون والفضة وكانت الشوارع والدكاكين تزين، ويخرج الناس خلف وحول المحمل وبصحبتهم مهرجين يسمون “عفاريت المحمل”. وكان أول احتفال دوران المحمل فى عهد السلطان الظاهر بيبرس، وكان دورانه من الاحتفالات التى حضرها ابن بطوطة فى مصر ووصفه بأنه كان يوم مشهود.
لم يكن المحمل ليخرج بالمصريين وحسب بل كان يصحبه سائر الحجيج من بلاد المغرب الإسلامى بما فيه الأندلس وبلاد أفريقيا أو القادمين عن طريق البحر من البلاد العثمانية وكذلك كان كثيراً ما يأتى أمراء وملوك تلك البلاد قاصدين الحج فكانوا جميعاً يجتمعون بالقاهرة ليتوقفوا بتلك المحطة الهامة التى كانت لها أثر كبير فى صورة وشخصية مصر بمخيلة زوارها، حتى أن التراث الإسلامى يحفل بالكثير من المؤلفات التى صنفها الرحالة والأدباء المارين بمصر، وكذلك فإن وفادتهم إلى القاهرة واختلاطهم بالمصريين كان له أثر فكرى وثقافى واجتماعى عميق على امتداد التاريخ المصرى.
لم يكن المحمل المصرى هو الوحيد الذى يخرج للحج بالعالم الإسلامى بل كان هناك المحمل الشامى، وكذلك المحمل العراقى وكذا اليمنى، لكن ما كان يميز المحمل المصرى هو خروج الكسوة معه والتى حرص عليها سلاطين المماليك، حتى أن الشيخ المقريزى يذكر أن السلطان (شاه رخ) ابن تيمور لنك فى ثلاثينيات القرن التاسع الهجرى ألح على السلطان المملوكى الأشرف برسباى فى أن يكسو الكعبة فكان أن رفض السلطان بعض استشارة قضاة الشرع وقد أورد الشيخ المقريزى بكتابه السلوك لمعرفة دول الملوك رد السلطان فقال “وأُجيب شاه رخ عن طلبه كسوة الكعبة باًن العادة قد جرت ألا يكسوها إلا ملوك مصر، والعادة قد اعتبرت فى الشرع فى مواضع وجُهزت إليه هدية”، كذلك فإنه بعد زوال دولة المماليك فإن بنى عثمان قد عهدوا إلى ولاة مصر بأن يجهزوا الكسوة وهى على ذلك إلى انقطاعها عن مصر فى ستينيات القرن العشرين الميلادى.
ومن الخطأ الاعتقاد بأن دور مصر فى كسوة الكعبة بدأ فقط مع الخلافة الفاطمية التى اتخذت القاهرة عاصمة لها، بل بدأ الدور المصرى قبل ذلك بقرون وفى عهد ثانى خلفاء المسلمين الصحابى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، حيث كان يوصى بكسوة الكعبة بالقماش المصرى المعروف بالقباطى الذى اشتهرت بتصنيعه بالفيوم، والقباطى نسبة إلى قبط مصر، حيث كان المصريون ماهرون فى نسج أفضل وأفخر أنواع الثياب والأقمشة.