معابد الكرنك يطلق عليها بالخطأ معبد الكرنك ؛ وذلك لأنها عبارة عن مجموعة معابد الكرنك وليس معبد واحد فقط فأننا إذا دخلنا داخل السور نجد معبد الخونسو ومنتو ومعبدا لأتون ومعبد موت والعديد من المقاصير. يعني ذلك أن نطلق معبد الكرنك خطأ بل مجموعة معابد الكرنك…
فتعد معابد الكرنك أكبر معابد في مصر القديمة وأفخمها وربما أكبر من أي معابد معاصرة في العالم ،وتعتبر هذه المعابد سجل أمين لتاريخ مصر القديمة بالنسبة للحضارة بشكل خاص ومنطقة المشرق العربي القديم وما يجاورها بوجه عام فمنذ عصر الدولة المصرية الوسطى (2050 ق.م) إلى العصر البلطمى أي فيما يقرب ألفى سنة وحكام مصر من الفراعنة وغيرهم يضيفون المنشآت المعمارية المقدسة إلى هذا المعبد مما جعل منه وثيقة تاريخية عظيمة حيث يستطيع الباحث من خلال النقوش والنصوص المصرية القديمة التي زين بها الفراعنة جدرانه حيث تشكل مراحل مصر القديمة وعلاقتها بالمشرق العربي القديم وما يجاوره ……!!
النشأة
يقع معبد لكرنك غربي طيبة إلى الشمال من معبد الأقصر بنحو ثلاثة كيلو متر،ويعد المعبد الرئيسي للإله آمون حيث أحيط بسور من الطوب اللبن على هيئة مستطيل طوله 550م وعرضه 480م وسمكه 12م وقد أحيط به ثماني بوابات.. وكان السور من الطوب اللبن ليحيط المجموعة كلها وهو على شكل مموج ذلك :-
سبب ديني:- يشبه المياه الأزلية
سبب معماري:- يعطي صلابة للسور
لم يبن الكرنك في عهد ملك واحد بل شارك في بنائه معظم الملوك من الدولة الحديثة ومن جاء من بعدهم أيضا وقد أطلق عليه مصطلح معبد الكرنك منذ العصور الوسطى فقد أمن المصري القديم في تاريخه بعقيدة دينية ألا وهى أن الآلهة مصدر كل شي في حياة الإنسان والوجود كله.
فالنصر في المعارك منحه من الإله للملك حيث يهبه سيفه وعلمه الإلهي فيضع الخطة التي ألهمه إياها الإله وينفذها وعندئذ يتحقق النصر حيث أنه يهيئ الظروف الطيبة والرياح المناسبة كي تربح مشروعات الملك التجارية وحملاته التعدينية فعلى الملك حينها أن يشكر الإله الذي نصره في الحرب وهذا عن طريق تخصيص جزء من الغنائم ، الجزى والأرباح التجارية لمعبد الآلهة ومنذ بداية الدولة الحديثة (1580ق.م) خاضت مصر حروبا عديدة في منطقة بلاد الشام والنوبة وكان النصر دوما حليفها وهكذا تلقى معبد آمون حصته من الغنائم والجزى والأرباح التجارية ولذلك نمت ثروة معبد آمون مع مرور الأيام نماء كبيرا ولكي يعبر الملك عن شكره لآمون أله العاصمة (طيبة) الذي نصره ووفقه بنى له قاعدة أعمدة غاية في الفخامة تليق بروبيته أو صرحا أو مسلة تعبيرا من الملك عن تقواه ومدى إيمانه،وهكذا نشأت معابد الكرنك…..
أقسام المعابد
يعد الملك أمنحوتب الأول (1550ق.م) أول من سعى إلى أقامة معبد للإله آمون في الكرنك وقد أختار أرضا مقدسة كان يشغلها معبد يعود تاريخه إلى عصر الدولة المصرية الوسطى لكنه توفى دون أن يحقق حلمه ولكن خليقته تحتمس الأول حقق حلم سلفه وعلى الأرض المقدسة نفسها فكان عمله هذا النواة الأولى لمعبد آمون رع بالكرنك ..
بينت معابد الآلهة في الدولة المصرية الحديثة حسب مخطط عام يضم معظمها العناصر الآتية :-
مرفأ صغيرا على نهر النيل أو على قناة تتصل بالنهر كانت تستخدم فى طقوس خاصة بزيارة الآلة.
طريق الكباش
هو الطريق الذي كان يربط بين معبدي الكرنك والأقصر على مسافة يصل طولها إلي ثلاثة كيلو مترو يعرف باسم (تا- ميت- رهنت) وترجمتها طريق الكباش ويوجد على طول الطريق البالغ 2,700كم ،وعرضه 76م،1200 تمثال وكانت تصنع تلك التماثيل من كتلة واحدة من الحجر الرملي ذات كورنيش حيث نقش عليه أسم الملك وألقابه وثناء عليه مقامه على قاعدة الحجر مكونة من أربعة مداميك من الحجر المستخدم نظرا لوجود بعض النقوش وقد تقام على هيئتين :-
الأولى :- تتخذ شكل جسم أسد ورأس إنسان ( أبو الهول) .
الثانية :- تتخذ شكل جسم الكبش .
ولكن مع الأسف دفن ذلك الطريق ولم يتبقى منه سوى تلك الكباش المتواجدة على جانبي الطريق ويجرى الآن عمل مشروع انتشال الكباش مت تحت الأتربة و إخراجها للحياة مرة أخري……..
طريق الإله
يسبق هذا الطريق واجهة المعبد ويوضع على جانبيه صفان من التماثيل على هيئة (أبى الهول) برأس كبش ترمز للإله آمون الذي يحمى الملك الذي نقشت صورته على صدر التمثال.
الصرح (بيلون) حسب التسمية اليونانية : بنى المصري القديم الصرح في مقدمة المعبد من جهة الغرب يبلغ طوله 113م وارتفاعه 40م وسمكه 15م ويرجع بنائه إلى الأسرة الثلاثين وهو يعد بناء ضخم ذو برجين بقاعدة مستطيلة بينهما مدخل من حجر الجرانيت لكنه أقل ارتفاعا منهما وله باب خشب مغشي بمعدن ثمين والصرح يرمز للأفق أي أن المصري تصور البرجين كجبلين تشرق من خلالهما الشمس وهكذا فقد أصبح المعبد يمثل بداية الكون..
يلي ذلك الصرح فناء مكشوف يرجع تاريخه إلى الأسرة الثانية والعشرين (الليبية) وقد بنى رمسيس الثالث معبدا في أقصى الجنوب الشرقي من هذا الفناء خصصه لثلاثي طيبة :- آمون – موت – خونسو يأتي بعد هذا الفناء الصرح الثاني وهو مهدم فقد بدأ بناءه الملك حور محب من الأسرة الثامنة عشر وأتمه رمسيس الأول من الأسرة التاسعة عشر وهو يؤدى إلى صالة الأعمدة…
تقسم معابد الآلهة في عصر الدولة المصرية الحديثة بعد الصرح إلى ثلاثة أقسام: البريستيل Per style؛ وهو فناء مكشوف مخصص لعامة الناس، ثم يليه قاعدة الأعمدة Hypo style؛ وهي مخصصة لتتويج الملك والخاصة من الناس، وأخيراً قدس الأقداس حيث يستقرّ تمثال الإله، ولا يصل إليه إلا الملك ورئيس الكهنة؛ وأهمّ أقسام معبد آمون رع بالكرنك من الغرب إلى الشرق.
البحيرة المقدسة
بوابة خاصة بأحد بوابات الكرنك حيث أنها البوابة الجنوبية قبلها معبد آتوم
البحيرة المقدسة أسمها شس جسر .
يوجد 6 بحيرات مقدسة في مصر القديمة منهم واحدة في إدفو.
أهميتها فالتطهير وتربية بعض الطيور: (البط، الإوز)
كان يغتسل فيها الكهنة قبل أداء مراسم دينية أو احتفالات قومية تقوم الآلهة بحضورها..
مياهها مياه راقدة وكان يتم تغذيتها عن طريق قناة من نهر النيل ولا يزيد فيها منسوب المياه أو ينقص حتى مع تغيير ارتفاع أو نقصان منسوب النيل وهذا واحد من إثباتات براعة المهندس المصري القديم في عهد تحتمس الثالث وكان هناك مشروع إنهم يجددوا المياه الخاصة بالبحيرة المقدسة….
صالة الأعمدة
بناها الملك سيتي الأول من ملوك الأسرة التاسعة عشرة، وهي قاعة الاحتفالات العظيمة في معبد الكرنك. تقع في وسط المعبد، وتشغل عرضه كلّه بطول 103م وعرض 52م، وبذلك تبلغ مساحتها 5400م، يحمل سقفها 134 أسطوانة..
(العمود الذي بدنه على شكل أسطوانة)
تتوزع إلى ستة عشر صفاً. يشغل وسط القاعة اثنتي عشرة أسطوانةً في صفين، لكلّ منها تاج على شكل زهرة بردي يانعة. يمكن لمائة شخص مجتمعين أن يقفوا عليه، حيث يبلغ قطره 5.5م، وارتفاعه 19.25م، وهذه الأسطوانات أعلى من الأسطوانات الجانبية ؛وذلك لغرض الإضاءة ،أما الأسطوانات الجانبية فيبلغ عددها 122 أسطوانة بارتفاع 14.75م، وهكذا يخيل للمرء أنه أمام غابة كثيفة من البردي، فتشيع في النفس إحساساً بالإعجاب والرهبة.
ثم تتوالى الصروح والقاعات التي بناها ملوك الأسرة الثامنة عشرة (أمنحوتب الثالث، تحتمس الأول،تحتمس الثالث، حتشبسوت، حور محب) حتى الوصول إلى قدس الأقداس في نهاية المعبد، حيث بلغ مجموع الصروح في معبد آمون رع بالكرنك عشرة صروح. ولكن لابد من وقفه قصيرة عند إنجازات الملك تحتمس الثالث لأهميتها وهى الأتي :-
شيَّد تحتمس الثالث الصرح السادس، ويليه مباشرة صالة حولياته ذات النصوص التاريخيّة بالقرب من قدس الأقداس، كما شيد الصالة الثانية للحوليات الخاصة بحملاته العسكرية. وفي هذا الجزء من المعبد عثر في إحدى الحجرات الصغيرة التي سميت حجرة الأجداد على ثبت الكرنك من عهد تحتمس الثالث، وقد حوى هذا الثبت أسماء واحد وستين ملكاً من ملوك مصر الذين حكموا قبله، لكن هذا الثبت نقل إلى متحف اللوفر بباريس، كما عثر على حجرة نقشت على جدرانها أنواع عديدة من النباتات والحيوانات التي أحضرها تحتمس الثالث من سوريا (حديقة النباتات).
صالة الأساطين الكبرى
أكبر صالة من نوعها في التاريخ حيث يشعر الزائر بأنها صغيرة جداً وضيقة وذلك نتيجة المبالغة الهندسية في هذه الصالة بسبب كثرة الأعمدة وكان ذلك مقصود حيث أراد المصري القديم أن يمثل مستنقع موجود به أحراش حيث أراد يمثل أحراش الدلتا وصالة الأساطين قديما كان يشوبها الظلام وكان الضوء يدخل فقط من خلال الشبابيك
ثم نتحدث عن عمارة المكان من خلال صالة الأساطين في عهد الأسرة الثامنة عشر كانت تحتوى على أثنى عشر أسطون ثم جاء الملك سيتي وهدم الجدار الذي حول ذلك وأنشأ 122 أسطون…
- الشبابيك التي كانت موجودة بين الأعمدة
- سقف الصالة وطريقة عمله
- كيفية دخول الضوء إلى المكان
- كان يوجد مجموعة من الأعمدة
- وجود شموع
- وجود موائد قرابين
- مياه في الصالة ارتفاعها حوالي من60،80 سم وذلك لكي يمثل أحراش الدلتا والدليل على ذلك أن الأعتاب النحتية كانت لا يوجد عليها نقوش ولا مناظر
المسلات
هي كتلة واحدة من حجر الجرانيت الأحمر، ذات مقطع رباعي تميل جوانبها إلى الداخل بدءاً من قاعدتها المربعة بحيث تنتهي ذروتها بهرم مدبب، كانت تكسوه صفائح معدنية، وكانت تحلّي جوانبها كتابة هيروغليفية تتضمن ألقاب من أقامها وأسماءه، وهي رمز من رموز إله الشمس رع.
وتعد المسلات جزءاً مهماً في النسيج العمراني للكرنك، وقد أقام ملوك الدولة المصرية الحديثة مسلات في نواح عديدة بمعبد الكرنك خاصة ومصر عامة، لكن لم يبق منها إلا القليل، حيث نقل معظمها إلى إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة والقسطنطينية وإنكلترا ولم يبق في مكانه بالكرنك غير مسلّتين، إحداهما لتحتمس الأول والأخرى لحتشبسوت.
لم يقتصر المصريون على بناء معبد آمون رع في غربيّ طيبه فحسب، ولكنهم بنوا العديد من المعابد لآلهتهم، إذ يحتوي الكرنك- إلى جانب معبد آمون- على معابد أخرى عديدة، يُذكر منها معبد (موت) زوجة آمون، ومعبد ابنها (خونسو) إله القمر، ومعبد الإله (بتاح) إله مدينة منف، ومعبد الإله (منتو) رب طيبه القديم.
وهكذا يمكن القول إن معبد آمون رع ومعابد الآلهة المصرية الأخرى بالكرنك سجلّ تاريخيّ وحضاري هاما ، لا غنى عنه لمن يريد أن يدرس تاريخ مصر القديمة وحضارتها.