نشأته
ولد قطز أو الأمير محمود للأمير ممدود ابن عم و زوج أخت السلطان جلال الدين الخوارزمي و نشأ نشأة الأمراء و تدرب فنون القتال على يد خاله جلال الدين نظرًا لاستشهاد أبيه و هو لايزال رضيعًا في حروب المسلمين الأولى ضد التتار و كان اسمه وقتها محمود ثم دارت الدائرة على مملكة جلال الدين و قضى التتار عليه و على ملكه و أُسر الأمير محمود و بيع عبدًا في السوق لثري من أثرياء الشام فرباه الثري و أحسن تربيته فتعلم اللغة العربية و أصولها و حفظ القران الكريم و درس الحديث .
و بعد موت الثري أصبح قطز مملوكًا لابن الثري و لم يجد منه عناية و حسن تعامل فبيع قطز لثري آخر من أثرياء الشام و كان هذا الثري هو الذي أدخلة الحياة السياسية و الجهاد ضد الصليبيين فهذا الثري هو ابن واحد من أكبر معاوني العالم “العز بن عبد السلام” فتربى قطز تربيه جديدة و جاءت الحروب الصليبية على الشام و من ضمنها دمشق و عندما تخلى الصالح إسماعيل عن جهاد الصليبيين و عادنهم نهض الملك الصالح نجم الدين أيوب للدفاع عن المسلميين فاشترك قطز من ضمن المدافعين من أهل دمشق مع الجيش المصري و كان له دور مع بقية أهل الشام في انتصار المسلمين على الصالح إسماعيل و أعوانه من الصليبيين.
حياته فى الدولة الأيوبية :
بعد ذلك طلب قطز من العز بن عبد السلام أن يبيعه إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب ليندرج تحت سلك ممالكه و وافق سيده على بيعه و بعد أن بيع قطز إلى الملك الصالح عهد به إلى “الأمير المملوكي عز الدين أيبك” فتربى قطز مثل باقي المماليك حيث يتم الحاقهم بمدرسة المماليك و يتم تعليمهم اللغة العربية قراءة و كتابة ثم حفظ القران الكريم و مباديء الفقة الإسلامي ثم فنون القتال من الرمي بالسهام و القتال بالسيوف و ركوب الخيل و وضع الخطط الحربية و التصرف في أمور الدولة و قد ساعدت التربية الإسلامية و القتالية لقطز في سن الطفولة و الشباب في قصر خاله السلطان جلال الدين حيث تولى تربيته بعد وفاة أبيه في تفوق قطز على أقرانه من المماليك الذين اشتراهم الملك الصالح فقد نشأ قطز على كراهية المغول و سمع و شاهد القتال و المعارك التي قادها خاله و أبوه في بلاد الخوارزميين وارتقى قظز بسرعة حتى أصبح الساعد الأيمن لأمير جند السلطان عز الدين أيبك الذي كان له دور هام في الأحداث السياسية في مصر و البيت الأيوبي.
بعد ذلك جاء قطز إلى مصر و قد تكون فيها جيش قوي عظيم من المماليك البحرية الذي تصدى لكل المحاولات الخارجية لغزو مصر و أهمها الحملة الصليبية السابعة التي قادها الملك لويس التاسع و قد أظهرت معركة المنصورة قوة المماليك العسكرية و التخطيطية في إدارة المعارك ثم قدرتهم على الحكم و إدارة شؤون البلاد حين قرروا التخلص من السلطان توران شاه و تنصيب شجرة الدر زوجة سيدهم الملك الصالح ملكة على مصر ثم ظهورهم على الساحة كسلاطين و حكام لمصر و الشام.
وقد شارك قطز جيش الملك الصالح في صد الحملة الصليبية السابعة وتمثلت شجاعة المماليك في الانتصار الكبير الذي حققوه في معركة المنصورة عام 648 هـ الموافق 1250 و التي أُسر فيها الملك لويس التاسع قائد الحملة فى دار بن لقمان بالمنصورة و كانت من أهم أحداث معركة المنصورة وفاة الملك الصالح و تنصيب توران شاه ملكًا لمصر و من أهم نتائج المعركة و صول المماليك لحكم مصر و القضاء على الدولة الأيوبية.
توران شاه
قاد الملك توران شاه المماليك و بقية جيشه في استكمال تحقيق النصر في معركة المنصورة و صد الحملة الفرنسية السابعة و لكن هذا النصر لم يسفر عن استقرا الأحوال السياسية في مصر بل ظهر الخلاف بين المماليك البحرية الذين أظهروا قوتهم و جلادتهم في قتال الفرنجة و بين ابن أستاذهم الملك توران شاه و و كان توران شاه لم يكن صالحًا للحكم لتهوره و كبريائه و لتعامله السيء مع زوجة أبيه شجرة الدر و لتنكره لأمراء المماليك و على رأسهم الأمير فارس الدين أقطاي و ركن الدين بيبرس و سيف الدين قطز قرر المماليك الحربية التخلص من توران شاه و في 27 محرم 648 هـ الموافق 2 مايو 1250 قُتل توران شاه من قبل أمراء المماليك بعد أن حكم واحدًا و ستين يومًا
شجرة الدر
وبعد قيام المماليك البحرية بقتل سلطانهم توران شاه أصبح هناك فراغ في الحكم حيث لايوجد بديل من أسرة بني أيوب لحكم مصر و عليه اختار أمراء المماليك و من بينهم قطز زوجة سيدهم شجرة الدر ملكة على الديار المصرية.
وأُخذت البيعة للسلطانة الجديدة في شهر صفر 648 هـ الموافق مايو 1250 و ما إن تولت مقاليد الحكم حتى لاقت الرفض من الخليفة العباسي في بغداد و قام العلماء ينددون بتنصيبها في المنابر و تفجرت الثورات في العالم الإسلامي فما كان من شجرة الدر إلى التنازل بالحكم لأحد أمراء المماليك البحرية بعد أن حكمت مصر ثمانين يوماً.
بعد ذلك قررت شجرة الدر التنازل عن الحكم و اختارت عز الدين أيبك التركماني الصالحي خليفةً لها في الحكم بعد زواجها منه وقد وافق أمراء المماليك وقطز أحدهم على اختيار أيبك كأول سلاطين الدولة المملوكية
حياته فى الدولة المملوكية
شارك قطز السلطان أيبك في هزيمة الأيوبيين بقيادة الملك الناصر في معركة عند بلدة العباسة بين الصالحية و بلبيس و عندما دَب الخلاف بين عز الدين أيبك و فارس الدين أقطاي قرر أيبك إنشاء فرقة من المماليك عرفوا فيما بعد بالمماليك المعزية نسبة إلى لقب عز الدين أيبك الملك المعز و عين مملوكه قطز المعزي نائبًا للسلطنة في مصر و لمَّا أحس أيبك بخطر الأمير أقطاي و خطر فرقته المماليك البحرية خشي أيبك على حياته بعد أن وصلته أخبار عن عزم أقطاي اغتياله.
دبر أيبك خطة لاغتيال أقطاي بمساعدة نائبه قطز و بعض مماليكه المعزية و استدعى أيبك غريمه أقطاي للمثول أمامه في القلعة لاستشارته في بعض الأمور و في الميعاد المحدد حضر أقطاي إلى القلعة و معه عدد من مماليكه ودخل باب القلعة المؤدي لقاعة العواميد و تم اغلاق الباب و منعت المماليك البحرية من الدخول و بسرعة انقض عليه الأمير قطز و من معه من المماليك المعزية و قتلوه بالسيوف
بعد ذلك وقع خلاف بين أيبك و زوجته شجرة الدر بسبب تمرده عليها و عدم اشراكها في حكم مصر و بسبب تخلصه من المماليك البحرية و مما زاد الأمر سوءًا عزم أيبك الزواج من ابنة ملك الموصل بدر الدين لؤلؤ فعزمت شجرة الدر على قتل أيبك وكان لها ما أرادت و قَتل خمسة من غلمانها أيبك و هو في الحمام وكان ذلك في 655 هـ الموافق 1257 و بعد انتشار خبر وفاة الملك المعز حاولت شجرة الدر اخفاء واقعة القتل حيث ادعت أن أيبك وقع من فوق جواده إلى أن مماليك السلطان المعز بقيادة الأمير قطز كشفوا حقيقة قتلها للسلطان و قرروا قتلها
بعد قرابة ثلاث سنوات من حكم الصبي نور الدين علي بن أيبك مصر
على بن المعز
بدأت صدى طبول الحروب التتارية تترد على حدود مصر و اقتربت رياح الغزو التتري لبلاد الشام و مصر و لم يكن بوسع السلطان الصبي نور الدين علي أن يفعل شيئًا إزاء خطر التتار الداهم و القريب الذي كان يقضي وقته في ركوب الحمير و التنزه في القلعة و اللعب بالحمام مع الخدم و مع كل خبر جديد يصل عن وحشية التتار كانت الأحوال في مصر تزداد اضطرابًا و مع اقتراب جحافل التتار من الشام أرسل الملك الناصر رساله حملها المؤرخ والفقيه كمال بن العديم إلى مصر يستنجد بعساكرها.
ولما قدم ابن العديم إلى القاهرة عقد مجلس في القلعة حضره السلطان الصبي المنصور نور الدين علي، وحضره كبار أهل الرأي من العلماء و القضاه مثل قاضي القضاة بدر الدين حسن السنجاري و الشيخ العز بن عبد السلام و كان من بين الحاضرين سيف الدين قطز و كان هذا الاجتماع آخر خطوات قطز نحو وصوله لعرش مصر و قتال التتار فقد استغل قطز اجتماع القلعة لخلع السلطان الصبي
وأخذ في الاجتماع يتحدث عن مساويء المنصور علي و قال “لابد من سلطان قاهر يقاتل هذا العدو و الملك الصبي لايعرف تدبير الملك “و ساعد قطز في الوصول لهدفه أن مساويء السلطان المنصور علي كانت قد زادت حتى انفض الجميع من حوله و استهتر في اللعب وتحكمت أمه في أمره فاضطربت الأمور و انتهز قطز الفرصة المناسبة عندما خرج أمراء المماليك البحرية و المعزية في رحلة صيد في منطقة العباسية في الشرقية و على رأسهم “الأمير سيف الدين بهادر” و “الأمير علم الدين سنجر الغتمي”.
وكان ذلك في يوم السبت 24 ذو القعدة 657 هـ الموافق 1259، وقبض قطز على السلطان المنصور علي و على أخيه قاقان و على أمهما و اعتقلهم في أحد أبراج القلعة و في هذا اليوم انتهت مدة حكم السلطان المنصور علي و التي استمرت سنتين و ثمانية أشهر و ثلاثة أيام و حين قدم المماليك من رحلة الصيد بقيادة سيف الدين بهادر وعلم الدين سنجر أنكروا على قطز مافعله فأخبرهم بخطر التتار القادم على بلاد الشام و مصر و قال لهم: “إني ماقصدت إلا أن نجتمع على قتال التتار و لا يأتي ذلك بغير ملك فإذا خرجنا و كسرنا هذا العدو فالأمر لكم في السلطنة ماشئتم”
تنصيبه سلطاناً لمصر
أصبح خطر التتار يهدد مصر بعد أن تمكنوا من الإستيلاء على جميع الإمارات و الدول والأراضي الإسلامية حتى وصلت سلطتهم إلى غزة و لم يبقى بينهم و بين مصر إلا معركة الحسم بدأ المظفر قطز بالتحضير لمواجهة التتار و كان أول أمر يقوم به هو إصداره لعفو عام و شامل عن المماليك البحرية الذين فروا إلى الشام بعد مقتل زعيمهم فارس الدين أقطاي و كانت هذه الخطوة أبرز قرار سياسي اتخذه قطز فقوات المماليك المعزية لا تكفي لحرب التتار و كانت المماليك البحرية لها قوة عظيمة و لها خبرة واسعة في الحروب فإضافة قوة المماليك البحرية إلى المماليك المعزية المتواجدة في مصر ستنشيء جيشاً قوياً قادراً على محاربة التتار و كان من نتائج هذه الخطوة عودة القائد ركن الدين بيبرس إلى مصر فاستقبله قطز استقبالًا لائقًا و عظم شأنه و أنزله دار الوزارة و أقطعه قليوب و ماحولها من القرى و جعله في مقدمة الجيوش في معركة عين جالوت
رسالة هولاكو لقطز
و عندما كان سيف الدين قطز منشغلاً بإعداد الجيش و تجهيزه جاءته رسالة من هولاكو يحملها أربع رسل من التتار و فيها :
من ملك الملوك شرقاً وغرباً الخاقان الأعظم، باسمك الله باسط الأرض ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال أنَا نحن جند الله في أرضه،
خلقنا من سخطه، وسلطناً على من حل به غضبه، سلموا إلينا أمركم قبل أن ينكف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرفق لمن شكى، قد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب وعلينا الطلب، فأي أرض تأويكم وأي طريق تنجيكم وأي بلاد تحميكم، فما من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا خلاص،
فخيولنا سوابق وسهامنا خوارق وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع والعساكر لقتلنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عن الكلام، وخنتم العهود والأيمان وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشرالأعداد لمواجهة التتاروا بالمذلة والهوان (فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير حق وبما كنتم تفسقون) (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)
فمن طلب حربنا ندم ومن قصد أماننا سلِم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خلفتم هلكتم، فلا تُهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر وقد ثبت عندكم أنّا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدرة والأحكام المدبرة، فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم علينا سبيل،
فلا تطيلو الخطاب وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منّا جاهاً ولا عزاً ولا كافياً ولا حرازاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منا خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم والسلام علينا وعليكم وعلى من أطاع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى .
الأعداد لمواجهة التتار
و كانت هذه الرسالة بمثابة إعلاناً صريحاً بالحرب أو تسليم مصر للتتار على إثر الرسالة عقد قطز مجلساً ضمّ كبار الأمراء و القادة و الوزراء و بدؤا مناقشة ما فى الرسالة كان قطز مصمماً على خوض الحرب و رافضاً لمبدأ الإستسلام و قال قطز مقولته لما رأى من بعض الأمراء التراخي في مواجهة التتار: “أنا ألقى التتار بنفسي” ثم قال: «يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال و أنتم للغزاة كارهون و أنا متوجه فمن اختار الجهاد يصحبني و من لم يختر ذلك يرجع إلى بيته فإن الله مطلع عليه و خطيئة حريم المسلمين فى رقاب المسلمين» و قال: «من للإسلام إن لم نكن نحن» بعد هذه الكلمات أيد الأمراء المماليك قرار قطز في المواجهه ثم قرر قطز أن يقطع أعناق الرسل الأربعة الذين أرسلهم هولاكو و أن يعلق رؤوسهم على “باب زويلة” في القاهرة و ذلك بعد أن استشار ركن الدين بيبرس الذي قال: “أرى أن نقتل الرسل الأربعة و نقصد كتبغا قائد المغول متضامنين فإذا انتصرنا أو هزمنا فسنكون في كلتا الحالتين معذورين“
معركة عين جالوت
توجه قطز بجيشه شمالا و بمحذاة البحر فمروا بعسقلان ثم يافا ثم مروا بغرب طولكرم ثم حيفا و واصلوا الاتجاه شمالاً حتى وصلوا عكا التي وقعوا فيها مع الصليبيين معاهدة سلام مؤقتة و خيم فيها عدة أيام و أشار إليه بعض أمرائه بالهجوم على حصن عكا و تحرر المدينة بعد قرن و نصف من الاحتلال و كان رد قطز: “نحن لا نخون العهود“ ثم اتجه من عكا إلى الجنوب الشرقي منها ليبحث عن مكان يصلح للمعركة مع التتار.
في هذه الأثناء كان “كتبغا” قائد جيش التتار قد وصلته فلول جيشه الهارب من معركة غزة فأخبروه بسقوط غزة و اتخذ كتبغا قراره بأن يتوجه بسرعة لملاقاة قطز تحرك كتبغا من سهل البقاع باتجاه الجنوب حتى دخل فلسطين من شمالها الشرقي غرب الجولان عبر نهر الأردن و وصل إلى الجليل الشرقي و اكتشفت استطلاعات جيش قطز حركة كتبغا و نقلت له الأخبار بسرعة فغادر عكا في اتجاه الجنوب الشرقي ثم أسرع باجتياز الناصرة و تعمق أكثر في الجنوب الشرقي حتى وصل منطقة تعرف باسم سهل عين جالوت التي تقع تقريباً بين مدينة بيسان في الشمال و مدينة نابلس في الجنوب.
وفي يوم الجمعة 25 رمضان658 هـ / 3 سبتمبر1260م رتب قطز جيشه و استعد للمعركة و ما إن أشرقت الشمس حتى أتى جيش التتار لسهل عين جالوت من الشمال كان الجيش يختبىء خلف التلال و كانت مقدمة الجيش بقيادة ركن الدين بيبرس لا تخفي نفسها و كان الهدف من هذه الخطة حتى يعتقد جواسيس التتار أن هذه المقدمة هي كل الجيش و بدأت مقدمة الجيش في النزول من أحد التلال لسهل عين جالوت و بعد أن نزلت مقدمة جيش المسلمين بقيادة ركن الدين بيبرس بدأت فرقة عسكرية مملوكية في الظهور على أرض المعركة و انطلقت بقوة تدق طبولها و تنفخ أبواقها و تضرب صنوجها النحاسية.
وكانت هناك ضربات معينة للميمنة و ضربات معينة للميسرة و ضربات معينة للقلب و كانت هناك ضربات محددة للتقدم و التأخر و ضربات خاصة لكل خطة عسكرية و بذلك استطاع قطز أن يقود المعركة عن بعد و وقف ركن الدين بيبرس بقواته على المدخل الشمالي لسهل عين جالوت بينما ترك السهل بكامله خالياً من خلفه
قرر “كتبغا” أن يدخل بكامل جيشه و قواته لقتال مقدمة الجيش (وهذا ما خطط له قطز) و أعطى كتبغا إشارة البدء لقواته بالهجوم على المقدمة التي ظن أنها كل الجيش فتقدمت أعداد هائلة من فرسان التتار باتجاه مقدمة الجيش وقف ركن الدين بيبرس و جنوده في أماكنهم حتى اقتربت منهم جموع التتار عندها أعطى بيبرس لجنوده إشارة بدأ القتال فانطلقوا باتجاه جيش التتار و ارتفعت سحب الغبار من المعركة و تعالت أصوات دقات الطبول و احتدم القتال للحظات و ثبتت مقدمة الجيش في القتال و كانت مكونة من خيرة فرسان المماليك.
قرر كتبغا استخدام كامل قواته لقتال مقدمة الجيش بعد أن رأى منهم الثبات في القتال دون أن يترك أي قوات للاحتياط خلف جيش التتار استمر القتال سجالاً على الرغم من الفجوة العددية الكبيرة بين القوتين.
ثم دقت الطبول دقات معينة و هي عبارة عن أوامر من قطز إلى بيبرس بسحب التتار إلى داخل سهل عين جالوت، بدأ بيبرس على الفور في تنفيذ الأوامر فأظهر للتتار الانهزام و تراجع بظهره و هو يقاتل عندما رأى كتبغا تراجع المسلمين أمر جنده بتتبعهم و القضاء عليهم و بدأ جيش التتار في دخول سهل عين جالوت للضغط على الجنود الذين انسحبوا و بعد مدة من الزمن ليست بالقليلة دخل جيش التتار بأكمله داخل سهل عين جالوت و انسحب ركن الدين بيبرس بجنوده إلى الناحية الجنوبية من السهل و لم يترك كتبغا قوات احتياطية خارج السهل لتؤمن طريق العودة في حال الخسارة و لتمنع التفاف جيش المسلمين حول التتار.
في هذا الوقت نزل جيش المسلمين الرئيسي بقيادة قطز من خلف التلال إلى ساحة المعرك و أسرعت فرقة قوية من المماليك لغلق المدخل الشمالي لسهل عين جالوت و بذلك أحاطت قوات جيش المسلمين بالتتار من كل جانب و بدأ صراع لا مجال فيه للهرب أو المناورة و بدأ التتار يقاتلون بكل شجاعة و ظهر تفوق الميمنة في جيش التتار فتراجع المسلمين تحت ضغط بسالة التتار حيث اخترقوا ميسرة المسلمين و بدأ تساقط الشهداء في جيش المسلمين كان قطز في هذه الأثناء في مكانٍ عالٍ خلف الصفوف يراقب الوضع و يوجه فرق الجيش لسد الثغرات و لما رأى معاناة ميسرة الجيش دفع بقوة احتياطية لمساندتها و لكن هذه القوة لم تغير في الأمر شيئاً أمام بسالة وقوة ميمنة التتار
ثم دفع بقوة احتياطية أخرى و لكن الموقف تأزم بشكلٍ أكبر عندها قرر قطز أن ينزل بنفسه لأرض المعركة فرمى خوذته و أخذ يصرخ “واإسلاماه… واإسلاماه” و احتدم القتال في سهل عين جالوت و كان فيه أن صوَّب أحد التتار سهمه نحو قطز فأخطأه و أصاب فرسه و قتل الفرس و استمر القتال و قطز في أرض المعركة يقاتل و بدأت الكفة تميل لصالح المسلمين و زاد الضغط على التتار و تقدم أمير من أمراء المماليك و اسمه “جمال الدين آقوش الشمسي” و اخترق صفوف التتار حتى وصل لكتبغا و دار بينها قتال فتمكن آقوش من كتبغا و قتله و بقتله قتلت العزيمة عند جيش التتار .
أصبح التتار يقاتلون ليفتحوا لأنفسهم طريقاً في المدخل الشمالي لسهل عين جالوت ليتمكنوا من الهرب و استطاعوا فتح ثغرة في المدخل الشمالي و خرجت أعداد كبيرة منهم باتجاه الشمال و خرج المسلمون في طلبهم حتى وصل التتار الفارون إلى مدينة “بيسان” و عندما وصل إليهم المسلمين لم يجد التتار أمامهم إلا أن يعيدوا تنظيم صفوفهم و يصطفوا من جديد و دارت بين الطرفين معركة كبيرة قرب بيسان و قاتل التتار فيها قتالاً شديداً و بدؤا يضغطون على المسلمين و دارت الدائرة لهم عندها كرر قطز ما فعله في عين جالوت و أخذ يصيح بالجند “واإسلاماه… واإسلاماه… واإسلاماه” ثلاثاً و أقبل الجند على القتال و ارتفعت راية الإسلام و هوت راية التتار و بدأ جنود التتار في التساقط و كانت نتيجة المعركة أن أُبيد جيش التتار بأكمله و لم يبقى على قيد الحياة من الجيش أحد.
تحرير مدن الشام
وفي يوم السادس و العشرين من شهر شوال عام 658 هـ الموافق الرابع من شهر أكتوبر عام 1260م عاد سيف الدين قطز لمصر بعد أن حرر مدن الشام حتى خُطِبَ له على المنابر في كل المدن المصرية الشامية و الفلسطينية أعلن سيف الدين قطز توحيد مصر و الشام تحت دولة واحدة بزعامته و كانت هذه الوحدة هي الوحدة الأولى بين الإقليمين منذ عشر سنوات و ذلك منذ وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب و بدأ قطز في توزيع الولايات الإسلامية على الأمراء المسلمين و أرجع بعض الأمراء الأيوبيين إلى مناصبهم و ذلك ليضمن عدم حدوث أي فتنة في بلاد و مدن الشام فأعطى قطز إمارة حمص “للأشرف الأيوبي” و أعطى إمارة حلب “لعلاء الدين بن بدر الدين لؤلؤ” و أعطى إمارة حماة “للأمير المنصور” و عين الأمير المملوكي “جمال الدين آقوش الشمسي” (قاتل القائد المغولي كتبغا) على الساحل الفلسطيني و غزة أما دمشق فقد عين عليها علم الدين سنجر الحلبي .
مقتل سيف الدين قطز
كانت نهاية سيف الدين قطز بعد معركة عين جالوت بخمسين يوم فقط قتل و هو في طريق عودته من دمشق إلى القاهرة في منطقة تسمى الصالحية بفلسطين و كان مقتله على يد القائد المملوكي “ركن الدين بيبرس”
بعد مقتل قطز بقي ملقًا على الأرض مضرحًا بدمائه دون أن يجرؤ أحد على دفنه إلى أن دفنه بعض غلمانه وصار قبره يقصد للزيارة و التبرك و الناس يترحمون عليه و يدعون على قاتله و كثر الترحم عليه و الدعاء على من قتله و كان الملك الظاهر بيبرس قد شارك في قتله فلما بلغه ذلك سيَّر من نبشه و نقله إلى غير ذلك المكان و عفى أثره و لم يعفى خبره ثم حُمل قطز بعد ذلك إلى القاهرة و دفن بالقرب من زاوية “الشيخ تقي الدين” قبل أن تُعمر ثم نقله الحاج قطز الظاهري إلى المقابر و دفن بالقرب من زاوية ابن عبود .
دينار قطز
و يوُجد دينار من الذهب بكتابة نسخية باسم المظفر قطز عليه كتابة على كل من الوجه و الظهر تحمل اسم السلطان المظفر سيف الدنيا و الدين قطز ضرب هذا الدينار في الإسكندرية التي كانت مركزًا تجاريًا هامًا في العصر الفاطمي و العصر المملوكي يوجد الدينار الآن في متحف الفن الإسلامى في القاهرة عاصمة مصر .
ونلاحظ ن عملات قطز لا يوجد عليها أسماء أو ألقاب غير اسمه و لقبه هو فقط ، الملك المظفر سيف الدنيا والدين ،
كما يلاحظ أيضاً أن أسمه ” الملك المظفر سيف الدنيا والدين قطز ” لم يظهر إلا على الدنانير و الدراهم الدهب و الفضه و النقود اللى اتسكت بعد أنتصاره فى معركة عين جالوت .
بمعنى ان لقبه كان تكريم له على انتصاره ع المغول.
وقد كان لقب ” المظفر ” صفة خاصة بالسلطان قطز ، و هو لقب مشتق من ” الظفر ” يعنى النصر بمعناه العسكرى و مدلوله الدينى ( حامل اللقب لإنه تقى و صالح فهو مؤيد من الله فى انتصاره على اعداءه ). وهذا اللقب شاع فى العصر المملوكى وأصبح من القاب السلاطين .